أصبحت المرأة عنصر بارز في التظاهرات والاحتجاجات ، نظراً لمشاركتها بفاعلية في الآونة الأخيرة للتعبير عن رأيها وغضبها بالنزول للشارع للبحث عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الضائعة، إلا أن احتجاجات النساء شملت أشكالاً وأنماطاً غريبة ومختلفة .
وكانت الصحفية اللبنانية "أوكتافيا نصر" كتبت مقالاً بالصحفية اللبنانية "النهار" تحت عنوان "2012 سنة المرأة العربية"، مشيرة إلى أنه رغم أن هذا الشعار يمكن الاختلاف حوله إلا أنه في ضوء الأحداث والتغيرات التي شهدها العالم العربي مؤخراً فإن صوت المرأة العربية بات واضحاً وعالياً أكثر من أي وقت مضى.
وفي ظل بروز دور المرأة نجد أنها تستخدم وسائل مختلفة ربما يكون ذلك لجذب الأنظار للمطالب التي تخرج من أجلها إلا أن بعض تلك الوسائل تجد رفضاً شديداً لأنها لا تتناسب مع المجتمعات العربية.
الرقص للحماية
ومن أحدث تلك الوسائل التي استخدمتها النساء نجد أن اللبنانيات استخدمن الرقص للتعبير عن ارائهم ، حيث قامت مجموعة منهن بالتجمع أمام منزل رئيس البرلمان نبيه بري، ورقصن لإيصال رسالتهن بضرورة إقرار قانون يحمي النساء من العنف الأسري.
ويعود اختيار منزل رئيس البرلمان إلى كونه دعا في كلمته الافتتاحية للمجلس النيابي المنتخب عام 2009 إلى حماية المرأة من العنف وتعديل القوانين التمييزية والمجحفة بحقها.
وطالبت المشاركات في هذا التحرك، الذي لاقى إقبالا كبيرا، بإدراج مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري وجرائم الشرف على جدول أعمال اللجان في مجلس النواب اللبناني.
وكان هذا التحرّك بدأ بمسيرة حاشدة شارك فيها الرجال والأطفال، حيث حمل الجميع لافتات وشعارات طالبت بتحريك مشروع القانون والمصادقة عليه.
وانضمت إلى التحرك أيضاً مجموعة من العاملات في المنازل من الأجنبيات، لكونهن يتعرضن أيضاً لعنف من قبل أرباب العمل في ظل غياب قانون يحمي حقوقهن.
وشرحت مديرة منظمة "كفى عنفاً واستغلالا" زويا روحانا لقناة "العربية" أن "قانون حماية المرأة من العنف الأسري لا يقل أهمية عن قانون الانتخابات (الذي يشغل البرلمانيين حالياً)" مشددة على وجود نساء تقتل في ظل غياب أطر تحميهن.
واعتبرت إحدى المشاركات في التظاهرة أنه "عيب على الحكومة الحالية المؤلفة فقط من رجال أن تعارض هذا القانون"، في حين قالت مشاركة أخرى إنه "لم يعد مسموحا في القرن الواحد والعشرين أن تكون المرأة لا تزال تعامل على أنها إنسانة فئة ثانية، لا حقوق ولا كرامة لها".
ويبدو أن اللبنانيات اقتبسن هذه الوسيلة من الايطاليات ففي يناير الماضي كانت طالبات اكاديمية الرقص الوطني يقدمن عروضا راقصة أمام مبني البانتيوم في روما بايطاليا، و في المناسبة ذاتها عبّرت الراقصات عن احتجاجاتهن ضد الميزانية التي قررتها وزارة التربية في مجال التعليم , و طالبن بتحسين ظروف دراستهن , وذلك عبر تأدية عدة رقصات و رفع لافتات المطالب.
الاحتجاج بالتعري
وعلى طريقة "أطلع من هدومي" التي كنا نفترض انها مجرد تهديد فقط، بدأت تتحقق على أرض الواقع، ، فهذا الأسلوب في الاحتجاج يقوم فيه المحتجون بالتعري بشكل كامل أو جزئي كوسيلة لإثارة الانتباه أو إظهار السخط من سياسة أو قانون ما بطريقة سلمية ، فيبدو أن جسد الانسان اخر ما يملك من ادوات بعد ان تنفذ كافة الوسائل.
ويعود تاريخ الاحتجاج بالتعري إلى فترة ما قبل العصور الوسطى ولعل الليدي غوديفا (1040 - 1070) أول مثال على ذلك عندما قامت بركوب صهوة حصانها عارية في مدينة كوفنتري البريطانية وذلك من أجل إقناع زوجها حاكم المدينة بتخفيض الضرائب على سكان المدينة.
وقد استخدمت هذا الاسلوب بشكل لافت الاوكرانيات ، فعندما قامت بعض السيدات في السعودية بمحاولة قيادة السيارة وقبض عليهن ذهبت ثلاث فتيات اوكرانيات امام السفارة السعودية في بلدهن وقمن بتعرية صدروهن احتجاجا, واوكرانية اخرى تعرت في مطار بيروت لمنعها من التدخين وقيدت للتحقيق.
كما وقفت وفتيات اوكرانيات عاريات الصدور امام سفارة الهند احتجاجا على منع الاوكرانيات من الذهاب الى الهند لمنع الدعارة.
وهؤلاء الاوكرانيات ناشطات ينتمين إلى منظمة "فيمن" الدولية المدافعة عن حقوق المرأة ، قاموا أيضا بالتعري أمام السفارة المصرية في استوكهولم رفضاً للدستور المصري.
وقالت المنظمة (فيمن) ومقرها كييف في بيان بعنوان "محمد نهاية العالم" في إشارة الى الرئيس المصري محمد مرسي، نشر على موقعها الإلكتروني، إن ناشطاتها والناشطة المصرية "تداعين ليقلن لا لدستور الشريعة في مصر".
ونشرت المنظمة صوراً للناشطة المصرية علياء المهدي التي شاركتهم في الوقفة وقد كتبت على جسدها العاري كلياً عبارة "الشريعة ليست دستوراً"، وناشطتان عاريتان حملتا لافتات كتب عليها "الدين عبودية" و"لا للدين" وكتبتا على جسديهما "لا للإسلاميين نعم للعلمانية" و"نهاية العالم مع مرسي".
وكانت علياء المهدي 20 عاماً ، نشرت صورتها عارية في مدونة أسمتها "مذكرات ثائرة" تحت عنوان "فن عارٍ" في تشرين الأول/أكتوبر 2011 كتعبير منها على رفضها لكبت الحريات.
واقدمت علياء على هذا الاسلوب لكنها فعلتها في السويد.. وهناك ربما يكون العري "مقبولا" أو على الاقل مفهوما في سياق عادات السويد ولذا بدا الغضب كبيراً وشديدا في مصر حتى عند الذين احتجوا على الدستور كما احتجت علياء وهي عارية.. لأن العري ضد الدين وضد العادات وضد العرف.
كما هددت نساء في مصر بالتعري في ميدان التحرير ان لم يتنحى الرئيس مرسي ويترك الحكم هو والإخوان، لكن علياء المهدي ستبقى وستسجل أنها اول فتاة عربية تقدم على الاحتجاج بالتعري.
كما اندفعت 3 ناشطات لحقوق المرأة عاريات الصدور، باتجاه رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني، فيما كان يدخل إلى مركز اقتراع في "ميلانو" للإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية التي يخوضها كمرشح.
وكتبت الناشطات على ظهورهن بالإيطالية ”باستا برلسكوني أي (كفى برلسكوني)”، وتم اعتقالهن على الفور، فيما أدلى رئيس الوزراء السابق بصوته أمام حشد من الصحفيين والمصورين.
والناشطات اللواتي كن يقفن خلف حشد الصحفيين والمصورين ركضن وقفزن فوق الحواجز، واندفعن باتجاه برلسكوني، لكنهن لم يصلن إليه، وأثار التحرك بعض الفوضى التي سرعان ما هدأت مع اعتقالهن سريعا.
ورغم أن الاحتجاج أو الاعتراض حق من حقوق المواطن ههذا لا يعني ان التعري احتجاجا مقبولا ، فالاحتجاج بالتعري فعل وشيء غريب ومفاجئ في عالمنا العربي.
على طريقة إيزيس
وننتقل إلى شكل آخر من أشكال الاحتجاج ، فاعتراضا على الدستور المصري الجديد، ، نظمت العشرات من السيدات وقفة احتجاجية، رفضًا للاستفتاء اللاتى وصفهن بـ"الباطل" وتأكيدا على التمسك بحقوق المرأة واستكمال نضالها التاريخى من أجل تحقيق الحرية والعدالة الإنسانية.
وعقب الإعلان الرسمى للاستفتاء، قامت عدد من السيدات والفتيات بقص خصلات من شعرهن وتكميم أفواههن أمام مجمع التحرير، معلنات رفضهن لكل أشكال العنف والإقصاء الممنهج على النساء، على طريقة الملكة إيزيس، عند مقتل أوزريس على يد امرأة، فقصت شعرها لتعبر عن حزنها وتحديها، فى البحث عن أجزاء جسده.
وقام مجموعة من النشطاء الشباب بالإحاطة بالناشطات لحمايتهن خلال الاحتجاج ، ونظمت الناشطات وقفة احتجاجية صامتة من دون أن يحملن أي لافتات تعبر عن مطالبهن لكنهن عبرن عن هذه المطالب بالوقوف أمام عدسات المصورين وقيام كل واحدة منهن بالإمساك بمقص وإزالة شعرهن. وقالت الناشطات في بيان إنهن يعبرن عن رفض الدستور الجديد الذي يقصي المرأة من دورها في الحياة السياسية.
وقامت الصحف والمواقع المصرية بالتقاط صور لهؤلاء السيدات وقامت بنشرها .
إلا أن ذلك لم يلقى ترحيباً من البعض ، حيث أبْدى عضو اللجنة الإعلامية بحزب البناء والتنمية هشام النجار اندهاشه من مشهد قص الشعر الجماعي الذي قامت فيه مجموعة من النساء بقص شعورهن فى ميدان التحرير احتجاجاً على تمرير الدستور .
وألمحَ النجار إلى واقعة مُشابهة لقص الشعر الجماعي في لبنان ، حيث استقبلت محال الكوافير والحلاقة هناك النساء والأطفال الراغبين فى قص الشعر ، لكن لهدف انسانى نبيل ، حيث كان ضمن حملة منظمة لتوفير شعر مُستعار لمرضى السرطان الذين فتك العلاج الكيميائي بشعرهم الطبيعي ولا يملكون تكلفة شعر بديل .
وتمنى هشام النجار أن تتحلى نساؤنا وأطفالنا وشبابنا بالايجابية في الفترة القادمة ، وألا يصرفن الوقت والجهد في المظاهر الاحتجاجية ، إنما في تقديم المساعدات وسد الثغرات وتخفيف المعاناة عن الإنسان المصري في المستشفيات ودور الرعاية . مؤكداً أن المرحلة الحالية تستدعى أن تتضافر الجهود في الإنتاج والعمل والحضور في ميادين وأماكن المعاناة والقصور ، لا في ميادين التظاهر والاحتجاج من أجل التقاط الصور والشو الاعلامى.
وأشار هشام النجار الى أن الدستور الجديد يضمن المساواة بين الرجل والمرأة ويضمن حقوق المرأة والطفل في جميع المجالات ، ويضمن الكرامة الانسانية لكل مواطن.
بأواني الطهي
وفي مصر أيضا شاركت سيدات فى وقفة احتجاجية بأواني الطهي، اعتراضا على تزوير الاستفتاء على مشروع الدستور "الإخوانى" وللمطالبة بمدنية الدولة، وقامت السيدات بالطرق على الحلل و"الصواني" و"الطاسات" و"الهون" ، وللتأكيد على حق النساء في المشاركة السياسية، وأن دورهن لا يقتصر على طبخ الطعام فقط ويعتبر هذا الاحتجاج مستوحى من احتجاجات الطبقات الفقيرة في أمريكا اللاتينية".
والهدف من الطرق على الاواني هو إحداث ضجة للفت الانتباه إليهن ، ورفعن عدد منهن اللافتات الاحتجاجية مثل: "لا للدستور" و "مصر دولة مدنية" و"صوتي مش عورة" .
وقالت د.فايزة صقر استاذ الحضارة المصرية القديمة بكلية الآداب جامعة دمنهور وإحدى المشاركات إن "المحتجات يهدفن لإظهار عدم خضوع المرأة المصرية لتجار الدين الذين يحاولون إرهابها وإسكاتها ومن ثم السيطرة علي المجتمع ككل" علي حد تعبيرها.
واضافت "هذا الأسلوب من الاحتجاج بـ "الحلل" استوحيناه من احتجاجات الطبقات الفقيرة في أمريكا اللاتينية"، مضيفة "نحن نهدف لإيصال صوتنا للحاكم الظالم بأنه لن يرتاح وأنهم لن يصمتن"، معبرة عن استيائها مما وصفته "بإهدار حقوق المرأة في الدستور ."
وليست هذه هي المرة الاولى للاحتجاج بأواني الطهي ، فقد تم استخدام هذا الاسلوب للاحتجاج الصامت على الفقر والجوع والشعور بالظلم.. فقد انطلقت فى أنحاء مصر وخاصة بالعاصمة تظاهرات الأوانى النحاسية والألومنيوم التى تصدر ضجيجا يعبر عن ثورة غضب سلمية فى مواجهة نظام مستبد.
فقد استخدمت الأواني في تظاهرات المصريين لأول مرة فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، عندما تظاهر عمال شركة "أمونيستو"، الذين هرب مالك مصنعهم بقروض بنكية وأغلقت البنوك المصنع، وكانت تظاهرات العمال أمام مجلس الشورى بشارع القصر العيني ولم ينطقوا خلالها بأي كلمة ولكن حملوا الحلل وأوانى الطعام الفارغة وقاموا بالطرق عليها بصورة هيستيرية، ما تسبب فى ضوضاء عالية حتى هدد أعضاء مجلس الشورى بتعليق العمل حتى تحل أزمة العمال.
وعادت تظاهرات الأوانى إلى مصر مرة أخرى، وتعود مرة أخرى فى عهد الرئيس محمد مرسى فى تظاهرة نسائية أمام مجلس الوزراء دعت لها عدد من الناشطات احتجاجًا على ظاهرة ارتفاع الأسعار التى اشتعلت بشكل مفاجئ خلال الفترة الأخيرة، حيث قادت الإعلامية والناشطة السياسية بثينة كامل والناشطة سالى تومة حشدا من السيدات للتظاهر بـ"الحلل والأطباق"، أمام مقر مجلس الوزراء بشارع القصر العينى الأمر الذى أذهل المارة والمتابعين للوقفة.
وتوالت بعدها مشاهد التظاهر بالأوانى والحلل، فقد نظمت مجموعة أطلقت على نفسها "الطبخوية"، وقفة أمام مقر رئاسة مجلس الوزراء رافعين الحلل احتجاجا على الأوضاع المعيشية، وردد خلالها المتظاهرون شعارات "عايزين ناكل".
وتظاهرة أخرى شهدتها محافظة الإسماعيلية، عندما نظم مجموعة من النشطاء وقفة احتجاجية رفعوا خلالها الأوانى الفارغة والملاعق تعبيرا عن غضبهم لارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وطالب المحتجون خلالها الأجهزة التنفيذية بالتدخل لضبط الأسعار ومراقبة الأسواق وتحديد حد أدنى للأجور، وردد النشطاء والمشاركون فى الوقفة هتافات تندد بسياسة الحكومة من أبرزها: "غلوا السكر غلوا الزيت غلوا كل لوازم البيت".
وأخيرا وصل قطار تظاهرات الأوانى إلى مدن القناة التى خرجت فيها آلاف النساء يتظاهرن بالأوانى وأدوات الطهى ضمن مشاركتهن فى العصيان المدنى، فيما قرر تحالف إنقاذ الثورة رفع أوانى الطهى الفارغة فى المحافظات كشعار لتظاهرات العصيان المدني التي أوشكت على الانتقال لعدة محافظات منها القاهرة والجيزة والإسكندرية والغربية والشرقية، احتجاجًا على سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية التى تمر بها البلاد فى ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين.
وبعيداً عن مصر ، فعام 2002 شهد أضخم تظاهرة بالأواني النحاسية، عندما احتشد العديد من النساء والأطفال فى الأرجنتين وتظاهروا أمام محال السوبر ماركت مرددين هتافات: "نريد أن نأكل نريد أن نأكل"، وكالعادة خرجت الحكومة ووسائل الإعلام تتناول الحديث عن "الفوضى" وعن ضرورة إعادة بناء النظام، فخرج بعدها الرئيس دولاروا يعلن فرض حظر التجول، وهو ما أدى إلى حرمان المواطنين من حقوقهم المدنية وفرض الرقابة على وسائل الإعلام، ثم انطلقت آلة القمع تتصرف كيفما تشاء، ما أدى إلى طرق الجماهير على الأواني والحلل فى بيوتهم وبعدها بساعة واحدة قام مليون مواطن بتحدى حالة الحصار وامتلأ ميدان بلازا دومايو بالآلاف مرددين بصرخات عالية: نريد أن نأكل.
وتصاعدت حدة التظاهرات التي لم تتخل عن سلميتها ولم تستخدم سلاحا سوى أوانى الطهى، وبعدها تم إقالة وزير المالية الأرجنتيني، مما فجر الأوضاع داخل البلاد لتعنت الرئيس وتمسكه بالسلطة لتخرج الثورة الأرجنتينية عن سلميتها وتحرق المباني الحكومية والمنشآت حتى تنحى الرئيس.
0 التعليقات:
إرسال تعليق