كتب : محمد شعبان تصوير : محمد لطفي
كابوس الخوف في المناطق الخطرة يدفع المواطن الغلبان لأن ينام بعيون مفتوحة ربما لا تغفو أبدا .. الحياة في مثل هذه المناطق تفتقد أبسط قواعد الأمان وهي نقطة شرطة نشيطة أو دورية مرور للقبض علي الخارجين علي القانون حيث تحدث جرائم قتل وسلب واغتصاب
ليس هذا فحسب , حيث تتجمع عوامل الطبيعة أيضا وتتضافر لتصنع دائرة خوف لا نهاية لها فمن يصدق أن هناك مواطنين يهربون من البلطجية في الشوارع لينتظروا الموت تحت أسقف بيوتهم ..
هذه باختصار خلاصة تقرير حديث أعده صندوق تطوير العشوائيات حول المناطق غير الآمنة وكشف التقرير أن هذه العوامل تجمعت معا في 16 منطقة بالقاهرة القديمة تعيش تحت رحمة الموت والخوف ولهذا تم مؤخرا حظر السياحة بها .. التفاصيل في سياق التحقيق التالي ..
يشير التقرير الصادر عن صندوق تطوير العشوائيات إلي أن عدد المناطق ذات الخطورة العالية يصل إلي 405 مناطق في جميع محافظات مصر ويتركز أغلبها في القاهرة وتحديدا في مصر القديمة وتعود الخطورة إلي وجود أشياء تمثل تحديا مباشرا لأمن الإنسان واستقراره وحياته , حيث يوجد نحو 16 منطقة في القاهرة : 8 منها في منشأة ناصر و 6 في مصر القديمة و 2 بالخليفة والسيدة زينب .. والقاسم المشترك في هذه المناطق عموما هو العنف والجريمة والبلطجة والاغتصاب والقتل والانحراف والمخدرات , هذا إلي جانب الخوف نتيجة قسوة الحياة واختلاط الأحياء بالأموات خاصة لدي ساكني القبور أو نتيجة الرعب من الموت المفاجيء بسبب الكوارث الطبيعية التي قد تحدث في أي وقت نتيجة انزلاق الصخور أو البيوت القديمة المتصدعة والآيلة للسقوط والانهيار في أي لحظة أو نتيجة تلوث المياه وغياب أساسيات الراحة في الحياة أو نتيجة الخوف من الطرد في الشارع في أي لحظة لعدم وجود سند قانوني للبقاء والمعيشة في السكن ..
ونتيجة لهذه الأسباب جميعا فقد قامت وزارة السياحة مؤخرا بفرض حظر علي هذه المناطق الخطرة أو غير الآمنة ووضعت تقريرا آخر بخلاف تقرير وزارة الإسكان واشتمل هذا التقرير علي ما يشبه الخريطة للمناطق المحظورة والتي تبدأ من عزبة بخيت وبرقوق وقلعة قايتباي ومنطقة مقابر الإباجية وتل العقارب وعزبة أبو قرن والمواردي وذلك في مصر القديمة فقط .
لكن معايشة تفاصيل الحياة اليومية بالفعل في هذه المناطق تكشف عن جوانب كثيرة للخوف .. ففي منطقة الإباجية تتجمع كل جوانب الخوف إما من حدوث كوارث طبيعية بفعل تهاوي صخور الجبل المحيطة بالمكان أو بفعل البلطجية وقطاع الطرق .. الحياة في المكان في غاية الصعوبة والناس يعيشون في خنادق وأزقة ضيقة للغاية بعضهم أكدوا لنا أنهم يهربون من منازلهم يوميا خوفا من سقوط البيوت عليهم .. يقول أحمد سعيد (41 سنة ) منجد إفرنجي من سكان المنطقة : إحنا هنا ميتين بالحيا .. بعد الثورة الخوف زاد وحوادث القتل انتشرت لدرجة أنني في الشهر الماضي عثرت علي جثة بنت مقتولة عند مدخل الإباجية ولا نعرف من القاتل , أيضا مداخل المنطقة أصبحت في غاية الخطورة ليلا والبلطجية يقطعون الطرق وثبتوني في ليلة كنت راجعا متأخرا وسرقوا مني الموبايل والفلوس وطبعا الشرطة غير موجودة وبخلاف ذلك يحكي أحمد سعيد أنه وأسرته يعيشون بين الحياة والموت في بيت مجاور للجبل ويصف معاناته قائلا : كل يوم نشعر بهزة وزلزال والبيت كله شقوق بسبب حركة الصخور والتفجيرات في الجبل ولدي خوف من تكرار كارثة الدويقة ولن تصدق لو قلت لك إنني في إحدي المرات كنت سألقي بأولادي من البلكونة نتيجة الشعور بزلزال كبير في صخور الجبل . أيضا أنا فقدت أخي تحت أنقاض بيت كان مجاورا للبيت الذي أسكنه حيث انهار هذا البيت عليه وهذا هو المصير المنتظر لسكان المكان في منازل كثيرة جدا ..
أما إسماعيل عبد المنعم (49 سنة ) من سكان الإباجية , فيقول : البلطجية أصبحوا من أثرياء الثورة وكل واحد منهم اشتري عربية ومحتمل يكون فتح حساب في البنك من دم الغلابة في المناطق الفقيرة وكفاية حوادث التثبيت التي تحدث يوميا وهؤلاء البلطجية لا يسرقون أبناء منطقتهم لأنهم معروفون ولكن يعتدون علي المناطق الأخري ويتركز نشاطهم في المناطق المهجورة عند مدخل كل منطقة . والناس لا تشعر بالأمان وأنا شخصيا لدي 8 بنات أخاف عليهن وممنوع البنت تخرج متأخرا أو في الليل يعني الحياة رجعت زي زمان أيام الظلام ومن هنا لازم الشرطة ترجع ويكون لها دور أكبر .
وبجوار منطقة الإباجية توجد قرافة أسفل الجبل مكتظة بالسكان وهي المنطقة التي شهدت أحداث فيلم إبراهيم الأبيض .. أهالي المنطقة يعيشون في رعب يومي لأسباب كثيرة أبسطها الكوارث المتوقعة فالبيوت تستند علي الصخور المتصدعة والأسقف متآكلة والأمان الحياتي مفقود لدرجة أن الأهالي يشعرون يوميا بزلازل ويهربون من بيوتهم ويعودون وهم يتوقعون الموت في أي لحظة .
وفي منطقة برقوق أو عزبة الصعايدة كما هو معروف عنها الحياة في غاية الصعوبة والأمان مفقود بدرجة كبيرة .. هذه المنطقة تتميز باعتبارها وكر مخدرات مغلقا وبيع البرشام يتم بشكل علني ويخرج منها أشقياء وصيع وبلطجية لكن المشكلة في الغلابة الذين يسكنونها والذين يتجاوز عددهم الآلاف من العمال والسريحة والأرزقية عم محمد سرحان (60 سنة ) عامل من أهل برقوق قال لنا : انجدونا عايزين نحس إننا بشر .. كفاية , أنا خفت كتير لكن عمري في يوم ما احتميت بحد حتي الحكومة , تفتكر ممكن تحضر هنا وتحرس واحد غلبان .. أنا مش مواطن أنا أي حاجة موجودة وخلاص . أنا راجل كبير في السن مجبر أمشي وأنا شايل ( مطواة ) في جيبي ومجبر كمان أمشي جنب الحيط ومجبر كمان أضع السكينة تحت ( المخدة ) لأني خائف علي بناتي حتي لا أعيش بـــ ( عارهن )0
والحياة لا تختلف كثيرا عن منطقة قايتباي وهي من المناطق القديمة التي نشأت بجوار المقابر وتعد امتدادا لمنطقة باب الوزير والمجاورين وباب النصر وفي عزبة بخيت بمنشأة ناصر بالدويقة الخوف سيد الموقف فالبيوت غير مؤمنة واللصوص والبلطجية هم أبطال المشهد حيث يقول سيد أحمد (44 سنة ) من أهالي المنطقة : عندنا بلطجية وحرامية واللي مزنوق في بلطجي ممكن ييجي ويلاقي طلبه والليلة حراسة بألف جنيه ! وهنا لازم تكون ( مخربش ) وإلا ممكن تضيع في لحظة , وكل واحد عنده سلاحه .. طبعا هنا مافيش قانون ولا نيابة ولا شرطة ولا حكومة .. وأكثرية الشباب رد سجون وسوابق . يبقي إزاي تكون الدنيا أمان هنا فيه اغتصاب بالقوة وفيه سرقة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق